عملية ردع العدوان: الفواعل والعلاقات (3)

يشكل جيش العزة وحركة أحرار الشام ضلعان في المثلث الأكبر الذي تقوم عليه إدارة العمليات العسكرية بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام، في حين تبقى الجبهة الوطنية للتحرير تشكيلا غير مرئي كثيرا للإعلام على الرغم من دورها الفعّال في العمليات، فالجبهة التي تأسست من اندماج فصائل صغيرة تكاد تذوب في الكيان الجديد الذي يدير المعارك، وهي حالة متقدمة جدا من التناسق والتوحّد لدى فصائل المعارضة، لذلك سيتركز هذا الجزء من المقال على فحص علاقات جيش العزة وأحرار الشام بالأطراف الأجنبية، وتتبّع مسار التحوّل لديهما


تسوية وضع جنود الأسد لدى فروع إدارة العمليات العسكرية

جيش العزة وغرفة الموك:

يعتبر جيش العزة من الفصائل التي كانت جزء من مركز العمليات الدولية المشتركة الشهيرة باسم "MOC" والتي ترأستها الولايات المتحدة الأمريكية مع مجموعة من دول تسمي نفسها أصدقاء الشعب السوري كبريطانيا وفرنسا ودول عربية أهمها السعودية والإمارات وقطر والأردن، والتي كانت تتواصل فيها بشكل مباشر مع فصائل الجيش الحر، من خلال غرفتي "الموك" الموجودتين في كل من تركيا لدعم الجبهات الشمالية، والأردن لدعم الجبهات الجنوبية، وقد تأسس جيش العزة مع بدايات الثورة السورية على يد الرائد المنشق عن جيش النظام جميل الصالح المنحدر من منطقة اللطامنة في ريف حماة الشمالي تحت اسم "شهداء اللطامنة" ثم تم تغيير الاسم بعد انضمام فصائل أخرى تحت لوائه إلى اسم "تجمع كتائب وألوية العزة" سنة 2013 ليعلن أخيراً عن تشكيل جيش العزة عام 2015 من اندماج عدة فصائل امتدت من ريف اللاذقية إلى ريف حلب وريف حماة وإدلب، وقد كان الرائد جميل الصالح من أوائل الضباط المنشقين عن جيش الأسد، ويعدّ من أكثرهم نشاطا، كما يعدّ جيش العزة من أكثر الفصائل انضباطا وميلاً للتقاليد العسكرية بسبب تركيبة قيادته التي ركزت على تدريب وتكوين الملتحقين بالفصيل من الشباب المدنيين، بالإضافة إلى تميز التنظيم بخاصية النّأي بالنفس عن الخلافات التي تنشب بين الفصائل ممّا أكسبه مكانة حسنة لدى سكان المناطق التي عمل فيها خاصة بعد أن انضمّ إليه الاسم المشهور لدى الثوار؛ عبد الباسط الساروت الملقّب ببلبل الثورة السورية.

فكيف تشكلت علاقة جيش العزة بغرفة الموك؟

قدمت غرفة العمليات المشتركة "الموك" التي تأسست سنة 2013 الدعم المالي والعسكري لكتائب الجيش الحر بصفته تنظيما معتدلاً في نظر الغرب ودول التطبيع والثورات المضادة، وشمل الدعم تزويد كتائب الجيش الحر بصواريخ التاو الأمريكية المضادة للدروع بالإضافة إلى تذخير المعارك التي تطلقها كتائب الجيش الحر من ذخيرة الرشاشات الثقيلة وصولا لقذائف الهاون والدبابات، إضافة إلى تزويد كتائب المعارضة بالرواتب الشهرية للمقاتلين. وكان رئيس المخابرات السعودية السابق بندر بن سلطان أهم مهندسي غرفة "الموك" التي يمكن اعتبارها أكبر اختراق مخابراتي وسياسي للثورة السورية حوّلها من صراع داخلي بدأ بمطالب تحرّرية إلى صراع دولي وإقليمي لعبت فيه القوى المعادية للتغيير في المنطقة دورا أساسيا لجعل سوريا ميدانا لحرب بالوكالة بين مختلف القوى، ولم تكتف السعودية بدعم الجيش الحرّ فقط بل تجاوزت ذلك إلى دعم التنظيمات المسلحة الكردية مثل قوات سوريا الديمقراطية، وحزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي في الحسكة والقامشلي بعد توتّر علاقاتها مع تركيا وقطر، وكلها تنظيمات تقاتلها تركيا داخل سوريا والعراق منذ سنوات.

مثل كلّ دعم أجنبي، اشترطت غرفة "الموك" على الفصائل المنضوية تحت لوائها عدم المساس بالجيش الصهيوني في الجولان المحتلّ، والتحرّك تحت السقف الذي تحدّده لها وإلزامها بتنفيذ تعليماتها، مع عدم المساس بالأقليات الدرزية والمسيحية، ومحاربة التنظيمات التي تعتبرها إسلامية متطرّفة على رأسها جبهة النصرة وداعش، ولم يكن الغرض من دعم المعارضة  إسقاط الأسد كما كان يتوهّم بعض الحالمين بل كان المغزى هوالحفاظ على ألاّ ينتصر أحد تنفيذا لمقاربة إدوارد لوتووك صاحب مقولة "امنح الحرب فرصة" لإضعاف المعارضة والنظام معا وإطالة أمد القتال بين مختلف القوى إلى ما لا نهاية.

نشطت غرفة "الموك" بشكل منسجم إلى اللحظة التي دبّ فيها الخلاف بين قطر والسعودية بشأن سير العملية، وقد اقترح بندر بن سلطان على الدول المشاركة تخصيص ميزانية 2000 مليار دولار حسب تصريحات وزيرالخارجية القطري حمد بن جاسم من أجل تمويل وتسليح الجيش الحر وهو ما لم يحدث في النهاية بسبب غياب الجدّية لدى تلك الأنظمة في إسقاط الأسد من جهة، ولرغبة كل طرف في صناعة النظام البديل عن بشار الأسد، ليكون حصار دول مجلس التعاون الخليجي ومصر لدولة قطر سنة 2017 آخر مسمار يدقّ في نعش التكتّل المسمى زورا "أصدقاء الشعب السوري".

دخل جيش العزة في غرفة "الموك" في عام 2015م بهدف الحصول على الدعم لتحرير الأرض من جيش الأسد، وأعلن في أكتوبر 2017  أنّ الغرفة طلبت منه التوقّف عن شنّ عمليات عسكرية ضدَ قوات الأسد، لتتزايد الخلافات بين الطرفين ويقرّر الانسحاب في عام 2017 بمبررعدم قبوله بالدعم المشروط بالمشاركة في مؤتمر أستانة الذي اعتبره الرائد جميل الصالح أكبر خديعة للثورة السورية، وبذلك انفكّت عرى العلاقة بين الطرفين رسمياً.

أحرار الشام والسعودية: اتصال فانفصال

مثل كل الدول التي حاولت إيجاد موطئ قدم لها في سوريا بعد اندلاع الثورة ضد نظام الأسد، حاولت المملكة السعودية في إطار المنافسة مع قطر وتركيا احتواء بعض التنظيمات المسلحة تحت ذريعة قرار الجامعة العربية رقم 7445 (22 يناير 2012) الذي ينصّ على فتح علاقات مع المعارضة السورية وتوفير كافة أشكال الدعم السياسي والمادي لها، ثم القرار رقم 7595 (06 مارس 2013) الذي أكّد لأول مرة على أنّ الائتلاف الوطني السوري هو الممثّل الوحيد للشعب السوري.

وبالنظر إلى تزامن ذلك مع الثورة اليمنية وتضارب مصالحها مع إيران حاولت المخابرات السعودية ربط علاقاتها بأكبر التنظيمات الإسلامية المعادية للنفوذ الإيراني في ذلك الوقت بشرط ألاّ يكون التنظيم جهاديا فوق دولاتي مثل داعش أو جبهة النصرة أو أي فصيل يعلن انتماءه إلى تنظيم القاعدة، فكانت حركة أحرار الشام خيارها المفضل بسبب شعبية التنظيم وانتشاره وقوّته على الأرض وانتمائه إلى السلفية المحلّية، فهي حسب مؤسسها حسان عبود "تنظيم مجاهد لا جهادي"، وهو ما تبحث عنه السعودية، لكن العلاقة بين الطرفين لم تذهب بعيدا حسبما يبدو إذ سرعان ما ظهر أن قيادة الحركة لا تريد الانضواء المباشر تحت الراية السعودية وتحاول الحفاظ على علاقات متّزنة مع تركيا وغريمتها السعودية في وقت واحد.

وبرز الخلاف بين أحرار الشام والسلطات السعودية غداة تنظيم الأخيرة لمؤتمر الرياض في ديسمبر 2015 بهدف التحضير لمرحلة انتقالية تتلو تنحي الأسد، حيث انضم وفد من الحركة إلى المؤتمر ثم أعلن عن انسحابه وأصدرت الحركة بيانا علّلت فيه اعتراضها بكونها وجدت نفسها: "أمام واجب شرعي ووطني يحتم علينا الانسحاب من المؤتمر والاعتراض على مخرجاته لعدة أسباب بينها منح دور أساسي لهيئة التنسيق الوطنية وشخصيات محسوبة على النظام وعدم إعطاء الثقل الحقيقي للفصائل الثورية".

ويمكن القول أنّ الحركة بذلك البيان وضعت حدّا لمحاولات السعودية احتواءها، ومالت منذ ذلك الوقت إلى التعامل مع الجانب التركي وفق مبدأ المصالح المشتركة هروبا من خطر الاحتواء الشامل حسب تقييم قيادة التنظيم لعلاقاته البينية مع الأطراف الدولية لدواعي أبرزها وجود التنظيم في المناطق الحدودية لتركيا، وعلاقة العداء التي تجمعه مع قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش، وكلها تنظيمات تشكّل من وجهة النظر التركية خطرا على مصالح أنقرة في سوريا. وبذلك يمكن القول أن أحرار الشام أكثر التنظيمات المنضوية تحت إدارة العمليات العسكرية قرباً من الطرف التركي مقارنة بهيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني وجيش العزة الذي يديره جميل الصالح.

في المجمل، يعتبر الحديث عن العلاقات بين فصائل المعارضة السورية والقوى الإقليمية والدولية موضوعا يخضع إلى البروباغندا أكثر مما يتقيّد بالواقعية والرصانة في التحليل، فإذا قسناه إلى عامل الزمن نرى أنّ الولاءات والعلاقات تتشابك وتتغيّر بسرعة ويمكن أن يصبح صديق اليوم عدوّا في الغد، ولا ثبات في السياسة إلاّ لمن لا يمارسها، خاصة أنّنا بصدد الحديث عن مرحلة زمنية تتجاوز 13 سنة وهي فترة طويلة جدّا تتغيّر فيها المعطيات بشكل شبه يومي. وإن كان "الأسبوع فترة طويلة في السياسة" كما يقول هارولد ويلسون فإنّ يوما يعتبر طويلا إذا كانت تلك السياسة تخصّ منطقة الشرق الأوسط التي لا يهدأ فيها نزاع في بقعة حتّى يندلع في أخرى.

اليوم، نجد أنّ السعودية التي كانت جزء أساسيا من غرفة "الموك" تستضيف بشار الأسد في عاصمتها وتعيد تأهيله في الجامعة العربية، وتركض الإمارات والأردن لإنقاذه بمجرّد انطلاق عملية ردع العدوان، فانظر كيف تغيّرت السياسة، ولا تقف بعد اليوم على هامش التاريخ تحاكم أحداث اليوم بمعطيات الأمس البعيد.

 

7 تعليقات
أحمد سعيد
  ٦ ديسمبر ٢٠٢٤
3 أجزاء رائعة، شكرا
↪ الرد
سيبوط الزين
  ٦ ديسمبر ٢٠٢٤
اثق في تحليلك للوضع و سعت اطلاعك سيدي لكن لا اثق ابدا في اي تيار عسكري او سياسي يحمل الفكر الوهابي ... لعل بعض ما تكتب يشفي الصدور عجل الله بتخرير الشام
↪ الرد
حسام الدين
  ٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حقيقة مقالات رائعة لتنوير الرأي العام و شرح ما يجري في سوريا. طبعا للباحثين عن الحقيقة.
↪ الرد
رابح
  ٦ ديسمبر ٢٠٢٤
سلم لسانك اخي مامحل الكيان الصهيوني من كل هذا ؟
↪ الرد
احمد
  ٧ ديسمبر ٢٠٢٤
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
↪ الرد
عبد القادر
  ٧ ديسمبر ٢٠٢٤
هذه التنظيمات اديولوجياتها معروفة ولا يمكن أبدا أن تلتقي دائما مع الأنظمة العربية تنظيم الإخوان مثلا كان يحتفى به في السعودية وتبطغ كتب سيد قطب ويمول لإسقاط عبد الناصر ثم أصبح عدو وغير مرحب به مع مرور الوقت تغيرت الرؤى
↪ الرد
سلمان
  ٧ ديسمبر ٢٠٢٤
سلمت يداك
↪ الرد
اترك تعليق