هكذا بدأ... كذلك نبدأ (2)

يظنّ بعض الناس أنّ العمل السياسي الميداني هو اللقاءات واجتماعات المجاملات والصور والكلام العام الفضفاض، ويفضلون الشعارات الشعبوية على إجهاد عقولهم وإعداد البرامج والمشاريع، ولعلّ ذلك يعود إلى القراءة السطحية للتاريخ وأحداثه، والاكتفاء ببعض الأقوال المتداولة عن سير صنّاع التاريخ من دون التعمّق في البحث لاستخلاص الدروس


شعب ينتظر ونظام يحاصر

تجاوز مصالي الحاج 30 سنة من النضال قبل اندلاع الثورة التحريرية، ثلاثة عقود من التقلّبات والتعقيدات والرياح العاصفة قاد فيها سفينة حزب الشعب بمختلف تسمياته بحكمة ومسؤولية إلى أن حان وقت الخلاف والتفكّك، عمر من التاريخ لو فحصناه بعين الباحث عن الفائدة لا بعين المتربّص بالأحكام لكان أفضل منهل نرده، وهذه بعض دروس التجربة.

شعب ينتظر

لمّا شاعت في العالم المبادئ 14 للرئيس الأمريكي ويلسون تعلّق الناس بها في الجزائر أيضا، وحين قرّر الرئيس الفرنسي حينذاك زيارة الجزائر اشرأبّت الأعناق إليه في انتظار بارقة أمل، فالشعب –كما يقول مصالي- كان يتعلق بكل شيء ولا يريد أن ييأس حتّى لو تحقّق أن الأخبار المنشورة غير صحيحة، وعندما تغلق كلّ الأبواب يقول: "غدا سيأتي يوم جديد"، إنّ الشعب يميل عادة إلى الانتظار، لذلك كان الناس يعتقدون أنّ العائلات الحضرية والخيمات الكبيرة والمرابطين سيساعدونهم على استرجاع حقوقهم، لأنّ هؤلاء هم المثقفون الذين يعرفون القانون ولغة المحتلّ وهم وحدهم المؤهّلون للدفاع عنهم.

إنّ هذه السذاجة تتكرّر في كلّ الأزمنة عند الشعوب التي لم تتعلّم تحمّل مسؤولياتها، وإن كانت الأغلبية دائما لها ميل فطري نحو الكسل والانتظار فإنّ العلامة الفارقة بين المجتمعات الحيّة والميّتة تظهر في التباين بين طبقة القادة في المجتمعات قيد المقارنة، وإذا كان مفهوما فعل الجماهير فإنّ من العار أن تلجأ الفئة المتصدّرة للشأن العام إلى تخدير الجماهير وإقناعها بأنّ الانتظار هو الحلّ الأمثل لمشاكلها، ويتحول الوضع إلى جريمة حين يقنع هؤلاء شعبهم بأنّ هناك مخارج سيفتحها لهم المتسبّبون في تخلّفهم، ويلقوا في أذهانهم ما يفيد بأنّ المطالبات والمناشدات والتدخّل الكلامي لدى المحتلّ كما كان يحدث زمن الاحتلال، أو لدى المستبدّ مثلما يجري الآن هو السبيل للخلاص والتحرّر من القيود، بل أنّ أسوأ من ذلك يحصل حين تقنع تلك الفئة الجماهير بضرورة الصبر على المستبدّ لأن الوقت غير مناسب والبلد تحت التهديد، وفي الوقت نفسه تغيب حكمتها المصطنعة لما توجّه خطابها نحوه، فتكون بذلك مثل التيس المحلّل تجيز للمحتلّ أو المستبدّ الظلم ولا تبيح للمظلومين الدفاع عن حقوقهم.

هذا الانتظار الشعبي للمخلّصين وقع فيه الجزائريون في العشرينات من القرن الماضي حين اعتقدوا أن الفئة المتعلمة ستعيد لهم ما سلب منهم، ولمّا جلسوا ينتظرون الأمير خالد ليحرّرهم منفردا، وقد احتاج الشعب إلى أزيد من عقد كامل ليلتحم بالقيادة السياسية الناشئة بالشكل المطلوب، في تلك اللحظة فقط صار له صوت يسمع وتأثير تخشاه السلطات الاستعمارية، وفي ذلك درس للمستعجلين الذين يسارعون إلى قطف ثمار غرس لم يمنحوه الوقت ليخرج شطأه ويستوي على سوقه، وفي ذلك موعظة بالغة نحتاج إلى وضعها نصب أعيننا إذا أردنا  أن نخرج من التشرذم إلى الانتظام، ومن دور المستكين المنتظر إلى المبادر المقدام.

ومن الخطأ أن يعتقد أحد أنّ شعبنا تخلّص من خصائصه النفسية القديمة فيهرع لاستنساخ تجارب أخرى من مجتمعات بعيدا عن ثقافة وروح مجتمعنا العربي الإسلامي، فبغضّ الطرف عن السياقات التاريخية لتجارب الآخرين هناك مزاج نفسي معيّن يجدر بكلّ عامل مراعاته تفاديا للاصطدام بالمجتمع نفسه مثلما وقع للشيوعيين والتقدّميين والحركات العلمانية في الدول العربية التي أرادت استنبات مشاريع غربية خارج بيئتها، ولا يعني ذلك أبدا ألاّ نستلهم من التجارب الانسانية الأخرى إنّما القصد ألاّ يكون ذلك على حساب قيم مجتمعنا وخصائصه، وقد كان مصالي الحاج بارعا في فعل ذلك، فهو -كما يروى عن أحمد بن بلة- أتى بوطنية غير الوطنيات المعروفة في الغرب؛ وطنية تتعانق مع القيم الدينية وثقافة الجزائريين لذلك تلقّوها واحتضنوها بحفاوة.

في هذا المقام يؤكّد غوستاف لوبون أنّ "الأمة لا تتفلّت من نتائج مزاجها النّفسي، وإذا ما تفلّتت كان ذلك لوقت قصير، وذلك كالرّمل الذي تثيره الريح فيبدو فراره من سنن الجاذبية ذات حين"، وها نحن نلاحظ أن الجزائري لم يستطع إلى اليوم أن يتفلّت من خصائصه النفسية الراسخة، ومازال هو هو ينتظر ويترقّب ويتكاسل عن النهوض إلى اللحظة التي يأتي فيها من يحقنه بجرعات عالية من الثقافة السياسية والوعي فيبدأ الحراك متثاقلا ثم يمضي في سبيله كما تمضي كل الشعوب، وإن بقي مصرّا على القعود فقد برئت ذمّة العاملين.

كل نظام يحاصر

بعد أن أخذ نجم شمال إفريقيا ينتشر في فرنسا بدأت المضايقات من الشرطة على الرغم من أنّ التنظيم كان مصرّحا به بصفته جمعية سياسية، يروي القائد المؤسس ذلك فيقول: "...عاودت مرّة أخرى الجولات الكبيرة في المقاهي والفنادق والمطاعم الجزائرية لأحاول بواسطتها تجنيد مناضلين جدد. صار هذا العمل أكثر صعوبة لأن الشرطة وأعوانها بدؤوا يخوفون أرباب المقاهي والتجار الصغار المتعاطفين". سلوك طبيعي يترقّبه كل من درس حركات التغيير في العالم، سواء كانت في دولة تحت الاحتلال أو أخرى مستقلّة، فلا أحد في الدنيا يسمح بسهولة لمنافسه بأخذ مكانه في السلطة، تختلف الأساليب والأدوات لكن النتيجة والهدف لا يتغيّران، ولا يعني ذلك أنّ الترخيص الرسمي من الحكومة كاف ليكون التنظيم وأصحابه في مأمن، وهذا ما لا يستطيع أن يستوعبه من لا يعرفون طباع الحكم وطبائع النفس البشرية. لقد صرنا إلى زمن يعتقد فيه الفرد أنّ ترخيص الحكومة يصونه ويحفظه من التضييق، ويحسب أولئك الذين مازالوا في مرحلة الطفولة السياسية أنّ السياسة لا تمارس إلاّ بترخيص أو اعتماد رسمي من النظام الذي يعارضونه، وعلى قدر ما في اعتقادهم الصبياني من سخرية بقدر ما يجد من قبول واحتفاء لدى فئات واسعة من المجتمع، ولا يرجع ذلك لمنطقية الطرح فهو طفولي كما ترى لكن لأنّه يعزف على وتر حساس في النفس البشرية؛ أي أنّه يريح ضمائر المستكينين ويعطيهم حجّة للقعود بداعي تجنّب الدخول في صدام مع الأنظمة وتجنّب الإلقاء بأيديهم إلى التهلكة، يسندهم في ذلك تأوّل الآية "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" تأويلا خاطئا لأنّ التهلكة المقصودة هي الركون إلى الدنيا والقعود عن الجهاد كما ورد في كتب المفسّرين.

من يتّبع منطق أولئك الذين ينتظرون أن تحميهم وثائق السلطة من السلطة سيجد نفسه في المحلّ الذي انطلق منه لا محالة لأنّ ما يقوم به مناف لسنن التدافع، وما أسهل النضال والتغيير لو كان بذلك الأمان، إذن لكان عمار أوزقان أجدر بالقيادة من مصالي الحاج ولكان محمود عباس أحسن من محمد الضيف ولما كان للثوّار ذكر في التاريخ!

يضاف إلى وهم الأمان وهم الكمال؛ أي توفّر جميع الوسائل اللازمة للنشاط السياسي مثل مقرّ ثابت، وأموال وموارد بشرية كافية، ومن دون ذلك لن يعمل أحد من مقتنعي عقيدة النضال المريح. في هذا الصدد يروي الزعيم الوطني الكبير وضع نجم شمال إفريقيا سنة 1930: "كنا نعيش كالبدو الرحّل، فبعد لأربعة أعوام من النشاط ليس لنا مقر اجتماعي وليست لنا وسائل التعبير. كانت تنقصنا الإطارات والدراهم والمنخرطون، وكنّا نخشى أن ننقسم ويواجه بعضنا البعض الآخر بإيعاز من أعدائنا. لم يأت عندنا أيّ طالب ليمنح لنا قلمه ومعارفة، فلا الطلبة ولا البرجوازيون ولا التجار، لم يأت أحد منهم ليتجرأ على قرع بابنا، وفي فرنسا كان هؤلاء السادة غير مكترثين بجمعيتنا ونشاطنا، وفي الجزائر كانوا يتحرّكون نحو الإصلاحيين حتى لا نقول نحو بني وي وي... في المغرب وفي تونس فإنّ الطلبة والبرجوازية والمثقّفين هم الذين أمسكوا بمصير الشعب، وفي الجزائر فإن هذا الشرف الكبير للدفاع عن الوطن كان على عاتق العمال والفلاحين والطبقات الصغرى من المجتمع".  انظر إلى حال هذا الرجل كيف كان قبل قرن من الزمان حيث لا وسائل اتصال حديثة ولا قنوات فضائية، يبحث عن نافذة يبث من خلالها صوته ويخاطب شعبه فلا يجد وسيلة ولا معينا، ثم انظر إلينا اليوم وقد فتحت لنا التقنية أبوابها ونصبت لنا الفضائيات كاميراتها، وأعطتنا وسائط الاتصال ترف الاجتماع على بعد آلاف الأميال لكنّنا نبحث عن الأعذار لكسلنا بدلا عن العمل والكفاح. في ذلك الوقت لم كن للتنظيم الثوري مداخيل عدا اشتراكات منخرطيه من المسحوقين، فرنكات قليلة استثمروها في إنشاء جريدة للأمة المقهورة، واليوم بعد تحسن الظروف المادية للناس تجد من يسألك: ما يعطيني الحزب إذا انخرطت فيه؟ لقد كان هؤلاء العظماء يسألون عن واجباتهم ويبادرون بالقليل المتاح ليحافظوا على استقلال أفكارهم ومواقفهم، وابتلينا اليوم بعد أن تشوّهت المفاهيم بمن يحسبون التنظيمات السياسية جمعيات خيرية توزّع المال وسلال الغذاء في رمضان.

 النضال ينتصر

يقول مصالي: "بعثنا الفكرة لكن كان علينا أن ننتظر وقتا لتصير حقيقة"، ولا يهمّ كم يكون الوقت اللازم لتحقيق الأهداف المرجوّة، يتعلق ذلك بالموارد والعقبات وطرق تجاوزها، في كل مسار هناك أسباب ذاتية وأخرى خارجية للنجاح والفشل معا، والحصيف من وازن بين الاثنين وحاسب نفسه على أسباب القصور الذاتي لأنّها عادة أكثر تأثيرا من الأسباب الخارجية التي دأب الناس على تعليق فشلهم عليها مثل حصار السلطات والتشويه الإعلامي وقلة الموارد وسواها ممّا لم يسلم منه الأنبياء والرسل ويريد عشاق النضال المريح أن يسلموا منه.

في الوقت الذي كان فيه مصالي الحاج قريبا من الشيوعيين الفرنسيين كان يدعى الرفيق، وكانت أبواب الحزب مشرعة أمامه، وحين تيقّنوا أنّه ليس المناضل الذي يستطيعون توجيهه تحوّل إلى برجوازي مبتذل وغنيّ مغامر، وكلّما استوفى افتراء مدّته استحدثوا له وصفا جديدا، ومثلهم كان يفعل الإصلاحيون ودعاة الاندماج والسلطات الاستعمارية، فهو المخرّب والمشوش والمتهوّر والإسلامي المتطرّف والعروبي العنصري وهلمّ وصفا، تماما كما يحدث اليوم مع أيّ شخص لا يستوفي شروط الخضوع، يمكن أن يكون بعثيا وإسلاميا إخوانيا وفي الوقت نفسه شيوعيا فوضويا، والجماهير تبلع الوصف ونقيضه، لكن: هل يوجد عاقل يلقي بالا للرأي العام؟ إنّ هذا الأخير لا يستحق أن يقدّم له أيّ تنازل، فلو كانت له قيمة لما ابتلع الأكاذيب!

لقد كانت صحافة القيصر تكتب أن فلاديمير لينين عميل للألمان في الوقت الذي كان الجيش الأحمر يشق طريقه للسيطرة على العاصمة، وسقط القيصر وانتصر لينين، إن العبرة بالأفعال والنتائج، والناس ينسون ما آمنوا به حين يعتنقون دينا جديدا، ودين العوامّ القوة حيثما كانت خضعوا لصاحبها، إن استوعبت هذه الحقيقة ستنجو من أغلب الأوهام.

كلّ ذلك لم يكن صعبا على مصالي ولن يكون كذلك على أيّ أحد يقود مسيرة التغيير في مجتمعه، إن الصعوبات الأكبر كانت تأتي من القادة، فالقضية "كانت مسألة خلق وإحساس وفي بعض الأحيان غيرة وطموح، ولابدّ من العيش كثيرا مع الناس لمعرفتهم، وفي انتظار ذلك لابدّ من التحلّي بكثير من اللباقة لقيادة السفينة إلى المرفأ"، ومن خالط الناس وجرّب العمل في بيئة يتعدّد فيها البشر سيدرك أنّ ما تنطوي عليه السرائر، وما تخفيه الأنفس من أطماع وأحقاد ورغبات مرضية يصعب إدراكه قبل الخبرة والمعاينة والتجريب لأنّ هناك أنفسًا خبيثة تستطيع الاحتفاظ بوجه بشوش ولسان حلو مدة طويلة من الزمن، ولمّا تعجز عن الكتمان وتنفجر يمكن أن تفجّر معها التنظيمات بأكملها. لذلك فإنّ التطهير الذاتي للتنظيمات ضروري من حين إلى آخر لينفي كل حزب خبثه، ويبقى في النهاية الصادقون يقودون دفّة السفينة إلى آخر مرفأ.

تعلّمنا مسيرة مصالي الحاج أنّ النضال السياسي مسألة حيوية في المجتمعات الباحثة عن الكرامة، وينبئنا أنّ طريق السياسة طريق أذى، فيه كلّ ما يخطر وما لا يخطر على بال المرء من عقبات ودسائس وخيانات وتشويه وافتراءات، ولعلّ النّكران والتخوين أبرز صفتين يحافظ عليهما الجزائري حين يتعامل مع صناع تاريخه، ولعلّ مصالي كان أكثر الأشخاص الذين نالهم أذى النّكران حتّى أنّ تلاميذه ورفاقه حذفوا صدر البيت الذي كان يتغنّى به في نشيد حزب الشعب الجزائري:

 

فِـدَاءُ الْجَزَائِـرِ رُوحِي وَمَـالِي ..... أَلَا فِــي سَبِيـلِ الْحُرِّيَّـة

فَـلْيَحْـيَ حِـزْبُ الاستقلال..... وَنَجْـمُ شَمَــالِ إِفْرِيقِيَّـة

وَلْيَحْيَ زعيمُ الشعب مصالي..... مِثـَـالُ الْفـِـدَاءِ وَالْوَطَنِيَّـة

وَلْتَحْيَ الْجَزَائِـرُ مِثْلَ الْهِلاَلِ ..... وَلْتَحْـيَ فِيهـَـا العَرَبيّة

 

يلخّص شيخ المؤرخين المأساة فيقول: "في أيام مشابهة التفّ الفيتناميون حول هوشي منه، والتونسيون حول بورقيبة، والمراكشيون حول محمد الخامس، والمصريون حول ناصر، وهلمّ جرّا. بينما أسقط الجزائريون مصالي الحاح من حسابهم". يعني ذلك أنّ كلّ مناضل في الجزائر قد يكون مشروع مصالي جديد، لكن، فلنحاول لعلّ الله يخرج الحيّ من الميّت!

 

5 تعليقات
مراد منصوري
  ٤ يونيو ٢٠٢٥
فلنحاول ... و سيخرج لا محالة الحي من الميت
↪ الرد
Aymen Bennoui
  ٤ يونيو ٢٠٢٥
✉️ رسالة إلى أخي فيصل: "هكذا بدأ، كذلك نبدأ… ولكن بوعي التجربة" أخي العزيز فيصل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قرأت مقالك الأخير "هكذا بدأ، كذلك نبدأ" أكثر من مرة، لا كقارئٍ فقط، بل كواحد من هؤلاء الذين عايشوا الواقع بكل ما فيه من بهجة البدايات وصدامات الطريق. وجدت في كلماتك صدقًا قلّ أن نجده، وتحريرًا حقيقيًا من عقدة الانتظار والخوف من النقص. فشكرًا لأنك كتبت، وشكرًا لأنك بدأت، وشكرًا لأنك أثرت فينا روح البدء لا وهم الاكتمال. وإذ أكتب إليك اليوم، فلا أكتب من موقع تنظير، بل من موقع من خاض، وتعلّم، وتألّم، وقرر أن يُكمل المسير رغم كل شيء. ✅ نعم… "نبدأ كذلك"، لا حين نكتمل، بل حين نوقن أن الاكتمال لا يأتي إلا في الطريق في تجربتي في العمل الجمعوي، وفي اقترابي الحذر من السياسة، رأيتُ كيف نُبدع حين نبدأ، وكيف نفشل حين نخشى أن نبدأ. لكنني رأيت أيضًا كيف أن الدخول دون وعي، دون تكوين، ودون مشروعٍ أخلاقي، قد يُسقط الأنقى في فخ الرداءة. وهنا يظهر ما أعتبره أخطر فكرة تقتل فينا روح الفعل: "المصلح تفسده السياسة." ❌ هذه الفكرة، يا أخي، هي أخطر ما واجهت فهي تقنع الصادق أن مكانه الوحيد هو الهامش، وتُترك الساحة لمن لا ضمير له، بحجّة أن "النقاء لا يليق بالميدان". وهكذا نظل ننتظر “فرسانًا أنقياء” لا يأتون، بينما الواقع يُستهلك من قبل أصحاب المصالح. وأقول لك من القلب: ليست السياسة هي من تفسد، بل الفراغ، والغفلة، وعدم التهيئة النفسية والمعرفية. 🧭 من تجربتي، أؤمن أن المصلح يجب أن يتسلح برؤية، لا بنوايا فقط رأيت مشاريع شبابية تنهار عند أول صدام مع الواقع، لأنها لم تملك “النفس الطويل”. ورأيت من دخلوا السياسة وفُتنوا بها، لأنهم لم يدخلوا بعقلية البناء، بل بعقلية “الفرصة”. لكنني أيضًا رأيت من صمد، وواصل، واستطاع أن يجمع بين الطهارة والبناء. هؤلاء هم النموذج، وهؤلاء يجب أن نُعيد إليهم الثقة، والمساحة، والسند. ✊ أخي فيصل، ما نحتاجه اليوم هو تيار جديد من "المصلحين الواقعيين" لا مثاليين يتعالَون على الميدان، ولا انتهازيين يبرّرون الرداءة بواقعية كاذبة. بل جيلٌ يُؤمن أن الفعل العام مسؤولية، وأن السياسة ليست تهمة، بل أمانة. جيلٌ يربط بين الجمعوي، والتربوي، والسياسي، ويُدرك أن التغيير لا يأتي من الهامش فقط، بل من ملء الفراغ بالمشروع والقدوة. 💬 وختامًا، دعني أشاركك بعض الأسئلة التي تُقلقني وتلهمني: كيف نُكوّن هذا الجيل من الداخل، دون أن نُسقطه في فخ السرعة أو الاستهلاك؟ كيف نصنع خطابًا سياسيًا نزيهًا لا يُعادي الميدان ولا يُقدّس الرماد؟ كيف نربّي أبناءنا على أن الإصلاح لا يكتمل إلا حين ندخل المعركة لا حين نصفها من بعيد؟ أخي فيصل، لقد كتبت فأثّرت، فدعنا نكمل معك، لا في ردود الأفعال، بل في بناء تيار يُؤمن بالفعل، والتجرد، والرسالية. "هكذا بدأ، كذلك نبدأ… ولكن بوعي، وبصبر، وبنية لا تريد شيئًا لنفسها." أخوك المحب أيمن
↪ الرد
مختار دباشي
  ٤ يونيو ٢٠٢٥
والطامة الكبرى مازال البعض من بني جلدتنا يرددون السؤال الذي لاطعم له ولا رائحة. (هل مصالي الحاج ثائر أم خائن)
↪ الرد
مصطفاوي اميرة
  ٥ يونيو ٢٠٢٥
هو صعب... لكن أكيد ممكن.. فلا بناء ولا تمكبن دون تضحيات..ولنا المثل حتى في رسالة الإسلام
↪ الرد
عبد الرحمان
  ٧ يونيو ٢٠٢٥
بوركت استاذ فيصل في الشرح والتبيين
↪ الرد
اترك تعليق